حديث : ٢٩ . أبواب الخير
حديث : ٢٩
{ أبواب الخير }
ﻣﺘﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ
ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﻗﻠﺖ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ، ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﻌﻤﻞ ﻳُﺪﺧﻠﻨﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﻳﺒﺎﻋﺪﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ، ﻗﺎﻝ : ( ﻟﻘﺪ ﺳﺄﻟﺖ ﻋﻦ ﻋﻈﻴﻢ ، ﻭﺇﻧﻪ ﻟﻴﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺴّﺮﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ : ﺗﻌﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﺗُﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﺷﻴﺌﺎ ، ﻭﺗﻘﻴﻢ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺗﺆﺗﻲ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ، ﻭﺗﺼﻮﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ، ﻭﺗﺤﺞّ ﺍﻟﺒﻴﺖ ) ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ : ( ﺃﻻ ﺃﺩﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺨﻴﺮ ؟ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﺟﻨّﺔ ، ﻭﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﺗﻄﻔﻲﺀ ﺍﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻛﻤﺎ ﻳُﻄﻔﻲﺀ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺭ ، ﻭﺻﻼﺓ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺟﻮﻑ ﺍﻟﻠﻴﻞ ) ، ﺛﻢ ﺗﻼ : { ﺗﺘﺠﺎﻓﻰ ﺟﻨﻮﺑﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻀﺎﺟﻊ } ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ : { ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ } ( ﺍﻟﺴﺠﺪﺓ : ١٦ - ١٧ ) ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ : ٠
( ﺃﻻ ﺃﺧﺒﺮﻙ ﺑﺮﺃﺱ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻋﻤﻮﺩﻩ ﻭﺫﺭﻭﺓ ﺳﻨﺎﻣﻪ ؟ ) ، ﻗﻠﺖ : ﺑﻠﻰ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ . ﻗﺎﻝ : ( ﺭﺃﺱ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﻭﻋﻤﻮﺩﻩ ﺍﻟﺼﻼﺓ ، ﻭﺫﺭﻭﺓ ﺳﻨﺎﻣﻪ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ) ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ : ( ﺃﻻ ﺃﺧﺒﺮﻙ ﺑﻤﻼﻙ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ ؟ ) ﻗﻠﺖ : ﺑﻠﻰ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ . ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ : ( ﻛﻒّ ﻋﻠﻴﻚ ﻫﺬﺍ ) ، ﻗﻠﺖ : ﻳﺎ ﻧﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺇﻧﺎ ﻟﻤﺆﺍﺧﺬﻭﻥ ﺑﻤﺎ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﺑﻪ ؟ ، ﻓﻘﺎﻝ : ( ﺛﻜﻠﺘﻚ ﺃﻣﻚ ﻳﺎ ﻣﻌﺎﺫ ، ﻭﻫﻞ ﻳﻜﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ - ﺃﻭ ﻗﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﺧﺮﻫﻢ - ﺇﻻ ﺣﺼﺎﺋﺪ ﺃﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ؟ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻭﻗﺎﻝ : ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﻴﺢ
ﺍﻟﺸﺮﺡ
ﺍﻣﺘﺎﺯ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺃﻗﺮﺍﻧﻪ ﺑﻤﺎ ﺁﺗﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺜﺎﻗﺐ ﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ، ﺑﻞ ﺑﻠﻎ ﺭﺗﺒﺔ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ، ﻭﻗﺪ ﺷﻬﺪ ﻟﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻌﻠﻤﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ : ( ... ﻭﺃﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﻼﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺃﺣﻤﺪ ٠
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺒﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﻗﺪ ﺃﺛﻤﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﻟﻘﺎﺀ ﺭﺑﻪ ، ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺟﻨﺎﺕ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ، ﻭﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﻫﻢّ ﻣﻌﺎﺫﺍ ﻭﺃﺳﻬﺮﻩ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ، ﻭﻟﻘﺪ ﻧﻘﻠﺖ ﻟﻨﺎ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ، ﻭﻟﻨﻘﺼّﻪ ﻛﻤﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﻟﻨﺎ ﻣﻌﺎﺫ ﻧﻔﺴﻪ ، ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ : " ﻟﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺧﻠﻮﺓ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ، ﺍﺋﺬﻥ ﻟﻲ ﺃﺳﺄﻟﻚ ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﻗﺪ ﺃﻣﺮﺿﺘﻨﻲ ﻭﺃﺳﻘﻤﺘﻨﻲ ﻭﺃﺣﺰﻧﺘﻨﻲ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻧﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ( ﺳﻠﻨﻲ ﻋﻤّﺎ ﺷﺌﺖ ) ، ﻗﺎﻝ : ﻳﺎ ﻧﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ ، ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺑﻌﻤﻞ ﻳﺪﺧﻠﻨﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ - ﻭﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ : ﻭﻳﺒﻌﺪﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ - ﻻ ﺃﺳﺄﻟﻚ ﻋﻦ ﺷﻲﺀ ﻏﻴﺮﻫﺎ " ٠
ﻟﻘﺪ ﺳﺄﻝ ﻣﻌﺎﺫ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ، ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻻ ﺗﻨﺎﻝ ﺑﺎﻷﻣﺎﻧﻲ ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﺠﺪّ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ، ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻔّﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺘﻴﺴﻴﺮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭﺗﺬﻟﻴﻞ ﻋﻘﺒﺎﺗﻪ ﻟﻤﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻜﻪ ﺣﻘﺎ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻗﺒﻞ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ ﺭﺑّﻪ ﻳﺴﺮ ﻟﻪ ﺳﺒﻞ ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ ، ﻭﺃﻋﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻪ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﻘﺘﻀﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : { ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻫﺘﺪﻭﺍ ﺯﺍﺩﻫﻢ ﻫﺪﻯ ﻭﺁﺗﺎﻫﻢ ﺗﻘﻮﺍﻫﻢ } ( ﻣﺤﻤﺪ : ١٧ ) ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ : { ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ ﺃﻋﻄﻰ ﻭﺍﺗﻘﻰ ، ﻭﺻﺪّﻕ ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﻰ ، ﻓﺴﻨﻴﺴﺮﻩ ﻟﻠﻴﺴﺮﻯ } ( ﺍﻟﻠﻴل : ٥ - ٧ ) )
ﻭﺃﺻﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ : ﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﺄﺭﻛﺎﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﻓﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋﻼ ﻫﻮ ﺃﺳﺎﺱ ﻗﺒﻮﻝ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ، ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻭﺍﻟﺤﺞ : ﻣﻦ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﻭﻣﺴﻠﻤﺔ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ، ﻭﻗﺪ ﺗﻢ ﺑﺴﻂ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﺇﻋﺎﺩﺗﻬﺎ ﻫﻨﺎ ٠
ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺑﻴّﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨّﺔ ﻣﺘﺮﺗّﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻷﺭﻛﺎﻥ ، ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﻜﺎﻓﻲﺀ ﻣﻌﺎﺫﺍ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ، ﻓﺪﻟّﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻠﺨﻴﺮ ٠
ﻓﻤﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ : ﺻﻴﺎﻡ ﺍﻟﺘﻄﻮّﻉ ، ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ : ( ﻭﺍﻟﺼﻮﻡ ﺟﻨّﺔ ) ، ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ ﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﺤﺼﻞ ﺑﻪ ﺍﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ، ﻓﺎﻟﺼﻴﺎﻡ ﺟﻨﺔ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ، ﻭﻫﻮ ﺟﻨّﺔ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ؛ ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺇﺫﺍ ﺻﺎﻡ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻮﻣﺎ : ﺑﺎﻋﺪﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺧﺮﻳﻔﺎ ، ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ؛ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﺴﺘﺤﺐّ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺻﻴﺎﻡ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﻞ ﻛﻴﻮﻡ ﻋﺎﺷﻮﺭﺍﺀ ، ﻭﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ ، ﻭﻳﻮﻣﻲ ﺍﻻﺛﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﺨﻤﻴﺲ ، ﻭﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ ، ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ٠
ﻭﻣﻦ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺨﻴﺮ : ﺻﺪﻗﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮّﻉ ، ﻭﻓﻀﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻋﻈﻴﻢ ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺳﺒﺐ ﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺇﺯﺍﻟﺘﻬﺎ ، ﻭﻗﺪ ﺷﺒّﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺗﻜﻔﻴﺮﻫﺎ ﻟﻠﺬﻧﻮﺏ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ ﺇﺫﺍ ﺻُﺐّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻄﻔﺌﻬﺎ ﻭﻳُﺬﻫﺐ ﻟﻬﻴﺒﻬﺎ ، ﻭﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﻓﺤﺴﺐ ، ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻔﻴﺪ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺮﺻﺎﺕ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﺗﺨﻔﻒ ﻋﻨﻪ ﺣﺮّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ، ﺭﻭﻯ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪﻩ ﻋﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ، ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : ( ﻛﻞ ﺍﻣﺮﺉ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺻﺪﻗﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ) ، ﻭﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ٠
ﺃﻣﺎ ﺛﺎﻟﺚ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻝّ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻬﻮ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﻠﻴﻞ ، ﺇﻧﻪ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ، ﻭﺳﻠﻮﺓ ﺍﻟﻤﺤﺰﻭﻥ ، ﻭﺧﻠﻮﺓ ﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺭﺑّﻪ ، ﻭﻣﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﻌﺒﺪ ﻳﺆﺛﺮ ﻟﺬﺓ ﻣﻨﺎﺟﺎﺓ ﺭﺑّﻪ ﻭﺩﻋﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ ﺍﻟﺪﺍﻓﻲﺀ ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ( ﻋﺠﺐ ﺭﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺭﺟﻠﻴﻦ – ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ - : ﺭﺟﻞ ﺛﺎﺭ ﻋﻦ ﻭﻃﺎﺋﻪ ﻭﻟﺤﺎﻓﻪ ، ﻭﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﺣﻴّﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻼﺗﻪ ، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﺭﺑﻨﺎ : ﺃﻳﺎ ﻣﻼﺋﻜﺘﻲ ، ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺪﻱ ﺛﺎﺭ ﻣﻦ ﻓﺮﺍﺷﻪ ﻭﻭﻃﺎﺋﻪ ، ﻭﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺣﻴّﻪ ﻭﺃﻫﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻼﺗﻪ ؛ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﻨﺪﻱ ، ﻭﺷﻔﻘﺔ ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪﻱ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺃﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪﻩ ٠
ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻤﺢ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻲّ ﻣﻌﺎﺫ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ، ﻓﺄﺗـﻰ ﻟﻪ ﺑﻤﺜﺎﻝ ﻳﺒﻴّﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻳﺼﻮّﺭﻩ ، ﻭﻗﺪّﻡ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺗﺸﻮﻳﻘﺎ ، ﻓﻘﺎﻝ : ( ﺃﻻ ﺃﺧﺒﺮﻙ ﺑﺮﺃﺱ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻋﻤﻮﺩﻩ ﻭﺫﺭﻭﺓ ﺳﻨﺎﻣﻪ ؟ ) ٠
ﻟﻘﺪ ﺷﺒّﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﺮﺃﺱ ، ﻷﻥ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ : ﺫﻫﺒﺖ ﻣﻌﻪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ ﺇﺳﻼﻡ ﺍﻟﻤﺮﺀ : ﺫﻫﺐ ﺩﻳﻨﻪ ٠
ﻭﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : ( ﻭﻋﻤﻮﺩﻩ ﺍﻟﺼﻼﺓ ) ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻟﻠﺼﻼﺓ ﺑﺎﻟﻌﻤﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﺨﻴﻤﺔ ﺇﻻ ﺑﻪ ، ﻭﻭﺟﻪ ﺫﻟﻚ : ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻫﻲ ﺃﻋﻈﻢ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺑﺮﺑّﻪ ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ ،
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻭﺿﺢ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴّﺰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ ؛ ﻟﻬﺬﺍ ﺣﻈﻴﺖ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ٠
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﻭﻋﺎﻣﻼ ﻣﻦ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ؛ ﺷﺒّﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﺑﺬﺭﻭﺓ ﺳﻨﺎﻡ ﺍﻟﺠﻤﻞ ، ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻣﺘﻤﻴﺰﺍ ﺑﺬﺭﻭﺓ ﺳﻨﺎﻣﻪ ، ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎﺩ ، ﻭﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺃﺟﺮﻩ ، ﻭﺣﺴﺒﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺤﻀﺮ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ( ﻣﻘﺎﻡ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻪ ﺳﺘﻴﻦ ﺳﻨﺔ ، ﺃﻣﺎ ﺗﺤﺒﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﻐﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻜﻢ ﻭﺗﺪﺧﻠﻮﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔ ؟ ﺟﺎﻫﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ . ﻣﻦ ﻗﺎﺗﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻮﺍﻕ ﻧﺎﻗﺔ ﻭﺟﺒﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﺠﻨﺔ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺃﺣﻤﺪ ٠
ﺛﻢ ﺃﺭﺷﺪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻌﺎﺫًﺍ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻪ ﺇﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺇﺗﻘﺎﻧﻪ، ﻟﻴﺠﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻭﺻﻴﺘﻪ ﻟﻪ ، ﻟﻘﺪ ﺃﺭﺷﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﻪ ، ﻭﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﻟﺸﺪﻳﺪ ﺃﺛﺮﻩ ﻭﺧﻄﺮ ﺃﻣﺮﻩ ، ﻛﻴﻒ ﻻ ؟ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﻔﺮ ، ﻭﺍﻟﻘﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻠﻢ ، ﻭﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﺰﻭﺭ ، ﻭﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﻐﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﻨﻤﻴﻤﺔ ، ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺘﻬﺎﻭﻥ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺎﺭﺣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺧﻄﻮﺭﺗﻬﺎ ٠
ﻓﺤﻔﻆ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﻔﻼﺡ ، ﻭﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﺛﻢ ، ﻓﺎﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺘﺤﺬﻳﺮﻩ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ، ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﺴﺨﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ، ﻭﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻭﺍﻹﺻﻼﺡ ، ﺣﺘﻰ ﻳُﻜﺘﺐ ﻟﻠﻤﺮﺀ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ، ﻭﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﺎﻩ ﺍﻟﻤﺮﺀ ٠
0 Response to "حديث : ٢٩ . أبواب الخير"
Posting Komentar