syarah arbain nawawi hadits ke: 42
حديث
سعة مغفرة اللّه
ﻣﺘﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ
ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ : ( ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰﻭﺟﻞ : ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ، ﺇﻧﻚ ﻣﺎ ﺩﻋﻮﺗﻨﻲ ﻭﺭﺟﻮﺗﻨﻲ ﻏﻔﺮﺕ ﻟﻚ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻚ ﻭﻻ ﺃﺑﺎﻟﻲ ، ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ، ﻟﻮ ﺑﻠﻐﺖ ﺫﻧﻮﺑﻚ ﻋﻨﺎﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ، ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻐﻔﺮﺗﻨﻲ ﻏﻔﺮﺕ ﻟﻚ ، ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ، ﺇﻧﻚ ﻟﻮ ﺃﺗﻴﺘﻨﻲ ﺑﻘﺮﺍﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﺧﻄﺎﻳﺎ ، ﺛﻢ ﻟﻘﻴﺘﻨﻲ ﻻ ﺗﺸﺮﻙ ﺑﻲ ﺷﻴﺌﺎ ، ﻷﺗﻴﺘﻚ ﺑﻘﺮﺍﺑﻬﺎ ﻣﻐﻔﺮﺓ ) ﺭﻭﺍﻩ
ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻭﻗﺎﻝ : ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﻴﺢ .
ﺍﻟﺸﺮﺡ
ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻨﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻳﺄﺳﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ ، ﻭﻳﺄﺧﺬ ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻳﺴﺘﻤﻄﺮ ﺍﻟﺪﻣﻊ ، ﻭﻳﻬﻴّﺞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ، ﻟﺘﺘﻼﺷﻰ ﻣﻌﻪ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻟﻘﻨﻮﻁ ، ﺇﻧﻪ ﻫﺘﺎﻑ ﺳﻤﺎﻭﻱٌّ ﻟﻮ ﺗﺮﺩﺩ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻨﺎ ﻷﻓﺎﺽ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻮﻗﺎ ﻭﺣﻨﻴﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻣُﺪّﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻷﻳﺎﺩﻱ ، ﻭﻟﻬﺠﺖ ﺑﺬﻛﺮﻩ ﺍﻷﻟﺴﻨﺔ ، ﻓﻴﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﻋﻈﺔ ، ﻭﻳﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺬﻛﺮﺓ .
ﻟﻘﺪ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ، ﻟﻴﺰﻑّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ ، ﻓﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺳﻌﺔ ، ﻭﻓﻀﻠﻪ ﻋﻈﻴﻢ ، ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺣﺪّ ، ﻭﻻ ﻳﺤﺼﻴﻪ ﻋﺪّ ، ﻓﻐﺪﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﺑﻬﺎﺟﺎ ﻟﻠﺘﺎﺋﺒﻴﻦ ، ﻭﺃﻣﻼً ﻟﻠﻤﺬﻧﺒﻴﻦ ، ﻭﻓﺮﺻﺔ ﻟﻤﻦ ﺃﺳﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ، ﺃﻭ ﻓﺮّﻁ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ، ﻭﻟﻌﻠﻚ – ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺭﻱﺀ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ – ﺗﺪﺭﻙ ﺑﺬﻟﻚ ﺳﺮ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺎﺯﻫﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻩ ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻟﻴﺮﻭﻥ ﺃﻧﻪ ﺃﺭﺟﻰ ﺣﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ .
ﻭﺗﺘﺠﻠّﻰ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻧﻪ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ، ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ، ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻗﺮﺑﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ، ﻭﺻﻠﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺭﺑّﻪ ، ﻭﻫﻲ ﺳﻼﺡ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺴﻠّﺢ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ ﻭﺍﻟﻜﺮﺑﺎﺕ .
ﻭﻗﺪ ﺣﺜﻨﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﺪّﺓ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
} ﻭﻗﺎﻝ ﺭﺑﻜﻢ ﺍﺩﻋﻮﻧﻲ ﺃﺳﺘﺠﺐ ﻟﻜﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻜﺒﺮﻭﻥ ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺗﻲ ﺳﻴﺪﺧﻠﻮﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺩﺍﺧﺮﻳﻦ { ( ﻏﺎﻓﺮ : 60 ) ، ﻭﻗﺎﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ : } ﻭﺇﺫﺍ ﺳﺄﻟﻚ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻋﻨﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺮﻳﺐ ﺃﺟﻴﺐ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﺪﺍﻉ ﺇﺫﺍ ﺩﻋﺎﻥ ﻓﻠﻴﺴﺘﺠﻴﺒﻮﺍ ﻟﻲ ﻭﻟﻴﺆﻣﻨﻮﺍ ﺑﻲ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺮﺷﺪﻭﻥ { ( ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ : 186 ) ، ﺑﻞ ﺟﺎﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﻮﻟﻪ : ( ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻐﻀﺐ ﻋﻠﻴﻪ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ، ﻭﺻﺪﻕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺇﺫ ﻗﺎﻝ :
ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻐﻀﺐ ﺇﻥ ﺗﺮﻛﺖ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﻭﺑﻨﻲّ ﺁﺩﻡ ﺣﻴﻦ ﻳُﺴﺄﻝ ﻳﻐﻀﺐ
ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺷﺮﻭﻃﺎً ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﺳﺘﻜﻤﺎﻟﻬﺎ ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺟﺪﻳﺮﺍً ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ ، ﻭﺃﺩﻋﻰ ﻟﻠﻘﺒﻮﻝ ، ﻓﻤﻦ ﺫﻟﻚ : ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ، ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻭﺍﻷﻣﻞ ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠّﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : ( ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻣﻮﻗﻨﻮﻥ ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ ، ﻭﺍﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﺩﻋﺎﺀ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻏﺎﻓﻞ ﻻﻩ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ، ﻭﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﺭﺻﻴﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ، ﻻ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﺃﻣﻨﻴﺔ ﻭﺃﺣﻼﻣﺎً ﺯﺍﺋﻔﺔ .
ﻭﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ : ﻓﺈﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺣﺎﻝ ﺩﻋﺎﺋﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺰﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ، ﻭﻳﺠﺰﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻠﺐ ، ﻓﻘﺪ ﺭﻭﻯ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : ( ﻻ ﻳﻘﻮﻟﻦ ﺃﺣﺪﻛﻢ : ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺭﺣﻤﻨﻲ ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ، ﻟﻴﻌﺰﻡ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻣﻜﺮﻩ ﻟﻪ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ .
ﺛﻢ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺑﻨﺎ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ، ﻭﻫﻮ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺴﺘﺮ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﻧﺐ ، ﻭﻗﺪ ﺃﺛﻨﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻔﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎﻝ : } ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻔﺮﻳﻦ ﺑﺎﻷﺳﺤﺎﺭ { ( ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ : 17 ) ، ﻛﻤﺎ ﺭﺗّﺐ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎﻝ : } ﻭﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﺳﻮﺀﺍ ﺃﻭ ﻳﻈﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﺛﻢ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻏﻔﻮﺭﺍ ﺭﺣﻴﻤﺎ { ( ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ : 110 ) .
ﻭﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺈﻥ ﻟﻼﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻣﺰﻳﺪ ﻓﻀﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ، ﺇﺫ ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺑﺮﻛﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻭﺗﻜﻔﻴﺮ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ، ﺑﻞ ﻳﻤﺘﺪّ ﺧﻴﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﺘﻨﺰﻝ ﺃﻣﻄﺎﺭﻫﺎ ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺘﻨﺒﺖ ﺯﺭﻭﻋﻬﺎ ﻭﺛﻤﺎﺭﻫﺎ ، ﻭﻳﺤﺼﻞ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺭﻳّﺔ ، ﻭﺍﻟﻘﻮّﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌُﺪّﺓ ، ﻭﻻ ﺃﺩﻝّ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
} ﻓﻘﻠﺖ ﺍﺳﺘﻐﻔﺮﻭﺍ ﺭﺑﻜﻢ ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻏﻔﺎﺭﺍ ، ﻳﺮﺳﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﺪﺭﺍﺭﺍ ، ﻭﻳﻤﺪﺩﻛﻢ ﺑﺄﻣﻮﺍﻝ ﻭﺑﻨﻴﻦ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻟﻜﻢ ﺟﻨﺎﺕ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻟﻜﻢ ﺃﻧﻬﺎﺭﺍ { ( ﻧﻮﺡ : 10 – 12 ) .
ﻓﻤﻦ ﻫﻨﺎ : ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﺮﻳﺒﺎ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺎﺕ ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﺮﻳﺒﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﺮﺭ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳُﻌﺪّ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﺎﺋﺔ ﺍﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ، ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺗﻪ .
ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﺇﻻ ﺣﻴﻦ ﻳﺼﺪﺭ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻣﺆﻣﻦ ﻣﺴﺘﺤﻀﺮ ﻟﺠﻼﻝ ﺍﻟﺮﺏ ﻭﻋﻈﻤﺘﻪ ، ﻧﺎﺩﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﺗﻔﺮﻳﻂ ﻭﺗﻘﺼﻴﺮ ، ﻋﺎﺯﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻹﻧﺎﺑﺔ ، ﻭﺇﻻ ﻓﻬﻲ ﺗﻮﺑﺔ ﺟﻮﻓﺎﺀ ، ﻻ ﺗﻨﻔﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ .
ﺛﻢ ﺇﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻭﺃﺟﻠّﻬﺎ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ، ﻭﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺟﻪ ، ﻭﻗﺪ ﺃﻋﻠﻤﻨﺎ ﺭﺑﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎﻝ : } ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺒﺴﻮﺍ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﻈﻠﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻟﻬﻢ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﻫﻢ ﻣﻬﺘﺪﻭﻥ { ( ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ : 82 ) ، ﻓﺎﻣﺘﺪﺡ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﻧﻘﻴّﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻣﻦ ﻋﻮﺍﻟﻖ ﺍﻟﺸﺮﻙ ، ﻭﺑﺸّﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻦ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺭ ، ﻭﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺘﺼﺎﻏﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢّ ﺗﻜﻔّﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﺷﻴﺌﺎً ﺃﻥ ﻻ ﻳﻌﺬّﺑﻪ ، ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻌﺎﺫ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ : ( ﻭﺣﻖ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻌﺬﺏ ﻣﻦ ﻻ ﻳُﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﺷﻴﺌﺎً ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ .
ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻧﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ ﻟﻺﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ
ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﻦّ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ، ﻭﻧﺴﺄﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻞ ﻋﺜﺮﺍﺗﻨﺎ ﻭﻳﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﺯﻻﺗﻨﺎ ﻭﻳﻌﻴﻨﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻪ ، ﻭﺍﺗﺒﺎﻉ ﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ .
سعة مغفرة اللّه
ﻣﺘﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ
ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ : ( ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰﻭﺟﻞ : ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ، ﺇﻧﻚ ﻣﺎ ﺩﻋﻮﺗﻨﻲ ﻭﺭﺟﻮﺗﻨﻲ ﻏﻔﺮﺕ ﻟﻚ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻚ ﻭﻻ ﺃﺑﺎﻟﻲ ، ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ، ﻟﻮ ﺑﻠﻐﺖ ﺫﻧﻮﺑﻚ ﻋﻨﺎﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ، ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻐﻔﺮﺗﻨﻲ ﻏﻔﺮﺕ ﻟﻚ ، ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ، ﺇﻧﻚ ﻟﻮ ﺃﺗﻴﺘﻨﻲ ﺑﻘﺮﺍﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﺧﻄﺎﻳﺎ ، ﺛﻢ ﻟﻘﻴﺘﻨﻲ ﻻ ﺗﺸﺮﻙ ﺑﻲ ﺷﻴﺌﺎ ، ﻷﺗﻴﺘﻚ ﺑﻘﺮﺍﺑﻬﺎ ﻣﻐﻔﺮﺓ ) ﺭﻭﺍﻩ
ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻭﻗﺎﻝ : ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﻴﺢ .
ﺍﻟﺸﺮﺡ
ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻨﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻳﺄﺳﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ ، ﻭﻳﺄﺧﺬ ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻳﺴﺘﻤﻄﺮ ﺍﻟﺪﻣﻊ ، ﻭﻳﻬﻴّﺞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ، ﻟﺘﺘﻼﺷﻰ ﻣﻌﻪ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻟﻘﻨﻮﻁ ، ﺇﻧﻪ ﻫﺘﺎﻑ ﺳﻤﺎﻭﻱٌّ ﻟﻮ ﺗﺮﺩﺩ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻨﺎ ﻷﻓﺎﺽ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻮﻗﺎ ﻭﺣﻨﻴﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻣُﺪّﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻷﻳﺎﺩﻱ ، ﻭﻟﻬﺠﺖ ﺑﺬﻛﺮﻩ ﺍﻷﻟﺴﻨﺔ ، ﻓﻴﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﻋﻈﺔ ، ﻭﻳﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺬﻛﺮﺓ .
ﻟﻘﺪ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ، ﻟﻴﺰﻑّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ ، ﻓﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺳﻌﺔ ، ﻭﻓﻀﻠﻪ ﻋﻈﻴﻢ ، ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺣﺪّ ، ﻭﻻ ﻳﺤﺼﻴﻪ ﻋﺪّ ، ﻓﻐﺪﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﺑﻬﺎﺟﺎ ﻟﻠﺘﺎﺋﺒﻴﻦ ، ﻭﺃﻣﻼً ﻟﻠﻤﺬﻧﺒﻴﻦ ، ﻭﻓﺮﺻﺔ ﻟﻤﻦ ﺃﺳﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ، ﺃﻭ ﻓﺮّﻁ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ، ﻭﻟﻌﻠﻚ – ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺭﻱﺀ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ – ﺗﺪﺭﻙ ﺑﺬﻟﻚ ﺳﺮ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺎﺯﻫﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻩ ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻟﻴﺮﻭﻥ ﺃﻧﻪ ﺃﺭﺟﻰ ﺣﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ .
ﻭﺗﺘﺠﻠّﻰ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻧﻪ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ، ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ، ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻗﺮﺑﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ، ﻭﺻﻠﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺭﺑّﻪ ، ﻭﻫﻲ ﺳﻼﺡ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺴﻠّﺢ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ ﻭﺍﻟﻜﺮﺑﺎﺕ .
ﻭﻗﺪ ﺣﺜﻨﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﺪّﺓ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
} ﻭﻗﺎﻝ ﺭﺑﻜﻢ ﺍﺩﻋﻮﻧﻲ ﺃﺳﺘﺠﺐ ﻟﻜﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻜﺒﺮﻭﻥ ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺗﻲ ﺳﻴﺪﺧﻠﻮﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺩﺍﺧﺮﻳﻦ { ( ﻏﺎﻓﺮ : 60 ) ، ﻭﻗﺎﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ : } ﻭﺇﺫﺍ ﺳﺄﻟﻚ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻋﻨﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺮﻳﺐ ﺃﺟﻴﺐ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﺪﺍﻉ ﺇﺫﺍ ﺩﻋﺎﻥ ﻓﻠﻴﺴﺘﺠﻴﺒﻮﺍ ﻟﻲ ﻭﻟﻴﺆﻣﻨﻮﺍ ﺑﻲ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺮﺷﺪﻭﻥ { ( ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ : 186 ) ، ﺑﻞ ﺟﺎﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﻮﻟﻪ : ( ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻐﻀﺐ ﻋﻠﻴﻪ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ، ﻭﺻﺪﻕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺇﺫ ﻗﺎﻝ :
ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻐﻀﺐ ﺇﻥ ﺗﺮﻛﺖ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﻭﺑﻨﻲّ ﺁﺩﻡ ﺣﻴﻦ ﻳُﺴﺄﻝ ﻳﻐﻀﺐ
ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺷﺮﻭﻃﺎً ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﺳﺘﻜﻤﺎﻟﻬﺎ ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺟﺪﻳﺮﺍً ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ ، ﻭﺃﺩﻋﻰ ﻟﻠﻘﺒﻮﻝ ، ﻓﻤﻦ ﺫﻟﻚ : ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ، ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻭﺍﻷﻣﻞ ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠّﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : ( ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻣﻮﻗﻨﻮﻥ ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ ، ﻭﺍﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﺩﻋﺎﺀ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻏﺎﻓﻞ ﻻﻩ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ، ﻭﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﺭﺻﻴﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ، ﻻ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺠﺮﺩ ﺃﻣﻨﻴﺔ ﻭﺃﺣﻼﻣﺎً ﺯﺍﺋﻔﺔ .
ﻭﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ : ﻓﺈﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺣﺎﻝ ﺩﻋﺎﺋﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺰﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ، ﻭﻳﺠﺰﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻠﺐ ، ﻓﻘﺪ ﺭﻭﻯ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : ( ﻻ ﻳﻘﻮﻟﻦ ﺃﺣﺪﻛﻢ : ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺭﺣﻤﻨﻲ ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ، ﻟﻴﻌﺰﻡ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻣﻜﺮﻩ ﻟﻪ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ .
ﺛﻢ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺑﻨﺎ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ، ﻭﻫﻮ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺴﺘﺮ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﻧﺐ ، ﻭﻗﺪ ﺃﺛﻨﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻔﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎﻝ : } ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻔﺮﻳﻦ ﺑﺎﻷﺳﺤﺎﺭ { ( ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ : 17 ) ، ﻛﻤﺎ ﺭﺗّﺐ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎﻝ : } ﻭﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﺳﻮﺀﺍ ﺃﻭ ﻳﻈﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﺛﻢ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻏﻔﻮﺭﺍ ﺭﺣﻴﻤﺎ { ( ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ : 110 ) .
ﻭﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺈﻥ ﻟﻼﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻣﺰﻳﺪ ﻓﻀﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ، ﺇﺫ ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺑﺮﻛﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻭﺗﻜﻔﻴﺮ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ، ﺑﻞ ﻳﻤﺘﺪّ ﺧﻴﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﺘﻨﺰﻝ ﺃﻣﻄﺎﺭﻫﺎ ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺘﻨﺒﺖ ﺯﺭﻭﻋﻬﺎ ﻭﺛﻤﺎﺭﻫﺎ ، ﻭﻳﺤﺼﻞ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺭﻳّﺔ ، ﻭﺍﻟﻘﻮّﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌُﺪّﺓ ، ﻭﻻ ﺃﺩﻝّ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
} ﻓﻘﻠﺖ ﺍﺳﺘﻐﻔﺮﻭﺍ ﺭﺑﻜﻢ ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻏﻔﺎﺭﺍ ، ﻳﺮﺳﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﺪﺭﺍﺭﺍ ، ﻭﻳﻤﺪﺩﻛﻢ ﺑﺄﻣﻮﺍﻝ ﻭﺑﻨﻴﻦ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻟﻜﻢ ﺟﻨﺎﺕ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻟﻜﻢ ﺃﻧﻬﺎﺭﺍ { ( ﻧﻮﺡ : 10 – 12 ) .
ﻓﻤﻦ ﻫﻨﺎ : ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﺮﻳﺒﺎ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺎﺕ ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﺮﻳﺒﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﺮﺭ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳُﻌﺪّ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﺎﺋﺔ ﺍﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ، ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺗﻪ .
ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﺇﻻ ﺣﻴﻦ ﻳﺼﺪﺭ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻣﺆﻣﻦ ﻣﺴﺘﺤﻀﺮ ﻟﺠﻼﻝ ﺍﻟﺮﺏ ﻭﻋﻈﻤﺘﻪ ، ﻧﺎﺩﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﺗﻔﺮﻳﻂ ﻭﺗﻘﺼﻴﺮ ، ﻋﺎﺯﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻹﻧﺎﺑﺔ ، ﻭﺇﻻ ﻓﻬﻲ ﺗﻮﺑﺔ ﺟﻮﻓﺎﺀ ، ﻻ ﺗﻨﻔﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ .
ﺛﻢ ﺇﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻭﺃﺟﻠّﻬﺎ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ، ﻭﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺟﻪ ، ﻭﻗﺪ ﺃﻋﻠﻤﻨﺎ ﺭﺑﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎﻝ : } ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺒﺴﻮﺍ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﻈﻠﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻟﻬﻢ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﻫﻢ ﻣﻬﺘﺪﻭﻥ { ( ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ : 82 ) ، ﻓﺎﻣﺘﺪﺡ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﻧﻘﻴّﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻣﻦ ﻋﻮﺍﻟﻖ ﺍﻟﺸﺮﻙ ، ﻭﺑﺸّﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻦ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺭ ، ﻭﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺘﺼﺎﻏﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢّ ﺗﻜﻔّﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﺷﻴﺌﺎً ﺃﻥ ﻻ ﻳﻌﺬّﺑﻪ ، ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻌﺎﺫ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ : ( ﻭﺣﻖ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻌﺬﺏ ﻣﻦ ﻻ ﻳُﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﺷﻴﺌﺎً ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ .
ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻧﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻨﻮﻭﻳﺔ ﻟﻺﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ
ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﻦّ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ، ﻭﻧﺴﺄﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻞ ﻋﺜﺮﺍﺗﻨﺎ ﻭﻳﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﺯﻻﺗﻨﺎ ﻭﻳﻌﻴﻨﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻪ ، ﻭﺍﺗﺒﺎﻉ ﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ .
0 Response to "syarah arbain nawawi hadits ke: 42"
Posting Komentar